ذاكرة الجسد وتأثيرات الصدمة
الجسم يحتفظ بذاكرة لكل تجربة صادمة تعرض لها الشخص، سواء كانت نفسية أو جسدية. الصدمات مثل الاعتداءات، الخيانات، الحروب أو حتى الإهانات البسيطة قد تسبب اضطرابات تؤثر على الصحة الجسدية والعقلية بشكل مباشر وطويل الأمد. الصدمة لا تحتاج لمكان حرب لتحدث، بل قد تحصل داخل المنزل أو من أشخاص مقربين.
تجربة المحاربين والصدمات المزمنة
أذكر قصة الجندي “توم” العائد من فيتنام، والذي رغم حياته المستقرة ظاهريًا، كان يعاني من كوابيس متكررة وشعور دائم بالموت الداخلي. توم اعتبر أن تخليه عن كوابيسه يعني تخليه عن ذكرى زملائه الذين فقدهم في الحرب، ما جعله يرفض العلاج. هذه القصة توضح مدى تعقيد الصدمات النفسية وتأثيرها العميق في تشكيل الهوية الشخصية.
توم أوضح أن الكوابيس التي يعاني منها تمثل له صلة حية بذكريات أصدقائه الذين قتلوا في الحرب. بالنسبة له، التخلص من هذه الكوابيس يعني أنه “يهجرهم” وينسى تضحياتهم. الكوابيس، رغم أنها مؤلمة، أصبحت رمزًا لوفائه وإحساسه بالمسؤولية تجاه من سقطوا بجانبه.
هذا الموقف يكشف عن بعد نفسي عميق في التعامل مع الصدمات:
- الألم كوسيلة لحفظ الذاكرة: البعض يشعر أن المعاناة تمنحهم إحساسًا بالارتباط بالذين فقدوهم.
- الخوف من فقدان الهوية: في حالة توم، الحرب أصبحت جزءًا من هويته، والتخلي عن آثارها قد يعني فقدان جزء من ذاته.
- التضحية كقيمة أخلاقية: رفض العلاج لم يكن عنادًا بل تعبيرًا عن التزام أخلاقي تجاه ذكريات الماضي.
العجز المكتسب كنموذج للتفسير
تجربة العجز المكتسب تعكس بشكل عميق كيف تؤثر الصدمات النفسية على سلوك الإنسان في حياته اليومية. التجربة أجريت على الكلاب، حيث تعرضت مجموعة منها لصدمات كهربائية وهي مقيدة داخل أقفاص مغلقة، في حين لم تتعرض مجموعة أخرى لأي صدمات. لاحقًا، عندما تم فتح أبواب الأقفاص، لوحظ أن الكلاب التي تعرضت للصدمات لم تحاول الهروب رغم أن الطريق أصبح مفتوحًا أمامها.
هذا السلوك يوضح أن الكائن الحي، بما في ذلك الإنسان، يمكن أن يتعلم الشعور بالعجز حتى في وجود فرص حقيقية للهروب من مصدر الأذى أو تحسين وضعه. الصدمة تخلق قناعة داخلية بأن “لا شيء سيتغير” أو أن “كل المحاولات ستبوء بالفشل”، ما يدفع الشخص إلى البقاء في علاقات سامة، وظائف مرهقة، أو حتى أوضاع نفسية مؤلمة رغم وجود حلول متاحة.
العجز المكتسب ليس ضعفاً إرادياً، بل هو نتيجة بيولوجية ونفسية طبيعية للتعرض المتكرر للفشل أو الأذى. ولهذا، التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب تفكيك القناعات السلبية من خلال العلاج النفسي، ودعم بيئة آمنة تساعد الشخص على استعادة ثقته في قدرته على التحكم بمصيره.
الاعتماد المفرط على الأدوية النفسية
مع ازدهار صناعة الأدوية النفسية في التسعينات، بدأ المجتمع الطبي في التعامل مع الأمراض النفسية كاختلالات كيميائية فقط، مغفلين الجانب العلاجي السلوكي والمعرفي. هناك خطورة تكمن في تقليص المرض النفسي إلى مجرد “خلل كيميائي” يتم علاجه بحبوب دون النظر في جذور المشكلة.
أهمية الخيال في الشفاء من الصدمة
الخيال يلعب دورًا محوريًا في عملية التعافي من الصدمات النفسية. الشخص المصاب بصدمة قد يجد نفسه عالقًا في دائرة من الذكريات المؤلمة التي تعيق قدرته على رؤية المستقبل بإيجابية. هؤلاء الأشخاص يواجهون صعوبة في تصور واقع مختلف عن معاناتهم، لأن الصدمة تصبح عدسة يفسرون من خلالها كل شيء.
لكن عندما يتمكن الشخص من إعادة تفعيل قدرته على التخيل، سواء من خلال العلاج أو الممارسات الإبداعية، فهو بذلك يعيد فتح أبواب جديدة للأمل والتغيير. التخيل يساعد العقل على بناء تصورات بديلة، مثل تخيل الشفاء، النجاح، العلاقات الصحية، وحتى اللحظات البسيطة كالسفر أو الانخراط في نشاط محبب.
التخيل ليس رفاهية، بل هو أداة علاجية قوية تُمكن المصاب من التحرر من أسر التجارب المؤلمة. القدرة على تخيل احتمالات جديدة تعيد للإنسان السيطرة على واقعه وتمنحه دافعاً للنهوض ومتابعة الحياة.
رؤى رقمية مستندة للأرقام
8 ملغ من المورفين: كمية المواد المخدرة التي أطلقها دماغ المحاربين القدامى عند تعرضهم للألم خلال عرض فيلم عنيف، تعادل جرعات طبية تُستخدم في غرف الطوارئ.
3 أضعاف الزيادة: تضاعف وصف الأدوية النفسية ثلاث مرات مقارنة بالماضي، ما يعكس اعتماداً مفرطاً على الحلول الدوائية دون معالجة الأسباب العميقة.