الهيمنة التاريخية والانحدار
لقرون، كانت الصين قوة عالمية مهيمنة، حيث اخترعت تقنيات مثل الورق والبوصلة والطباعة والبارود. كانت مركزًا اقتصاديًا رئيسيًا حتى القرن التاسع عشر. أدى صعود القوة الصناعية والعلمية في الغرب إلى تراجع الصين. استغل الغرب الصين وأذلها واحتلها، مما أدى إلى “عصر مظلم” من الفقر والمجاعة لأكثر من 100 عام.
في القرن التاسع عشر، سعت الدول الغربية، وخاصة بريطانيا، إلى استغلال ثروة الصين. أدخلت بريطانيا الأفيون إلى السكان الصينيين، مما تسبب في إدمان وأزمة واسعة النطاق. أدى ذلك إلى حربي الأفيون الأولى والثانية، حيث دمرت بريطانيا وفرنسا الصين عسكريًا واقتصاديًا، مما أدى إلى احتلال هونغ كونغ وبداية “قرن الإذلال”.
صعود الشيوعية
مستوحاة من الثورة الروسية، اكتسبت الأفكار الشيوعية زخمًا في الصين بين ثوار مثل ماو تسي تونغ. بعد حرب أهلية طويلة، انتصر الشيوعيون بقيادة ماو، وأسسوا جمهورية الصين الشعبية.
حقبة ماو والصعوبات الاقتصادية
تحت حكم ماو، أصبحت الصين دولة شيوعية-اشتراكية تسيطر فيها الحكومة على جميع جوانب الاقتصاد. على الرغم من تبجيل ماو، استمرت البلاد في المعاناة من الفقر والبطالة والجفاف، مما أدى إلى المجاعة الكبرى في أوائل الستينيات، والتي أودت بحياة 40 مليون شخص.
بعد وفاة ماو، وصل دينغ شياو بينغ إلى السلطة في أواخر السبعينيات وأدخل إصلاحات اقتصادية، معترفًا بنجاح الرأسمالية في دول آسيوية أخرى. بدأ دينغ تجربة محدودة مع الرأسمالية من خلال إنشاء منطقة اقتصادية خاصة في قرية الصيد الصغيرة شنتشن. كان تحول شنتشن معجزة، حيث نمت من قرية يبلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة إلى مدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من 17 مليون نسمة وأصبحت مركزًا للتكنولوجيا. أدى هذا النجاح إلى إنشاء المزيد من المناطق الاقتصادية الخاصة في جميع أنحاء الصين، مما جذب الاستثمار الأجنبي والعمالة الرخيصة، وجعل الصين “مصنع العالم”.
القوة العالمية والقوة الناعمة
بدأت الصين في إبراز “قوتها الناعمة” من خلال الدراما والأفلام والترويج الثقافي. كما عرضت البلاد قوتها المتنامية مع حفل افتتاح أولمبياد بكين المذهل في عام 2008. عسكريًا، بنت الصين جيشًا هائلاً، وأصبح الأكبر في العالم من حيث العدد.
تباطأ النمو الاقتصادي في الصين بسبب التحديات الديموغرافية مثل سياسة الطفل الواحد. لمواجهة هذا الأمر، تحولت الصين إلى إفريقيا، واستثمرت المليارات في البنية التحتية. تضمن هذه الاستثمارات الوصول إلى الموارد وتوسيع نفوذ الصين السياسي وأسواقها، غالبًا من خلال قروض، إذا لم يتم سدادها، تؤدي إلى استحواذ الصين على أصول في تلك البلدان، وهو شكل من أشكال “الاستعمار الجديد”.
يواجه العملاق الآسيوي اليوم مجموعة معقدة من التحديات والفرص التي تشكل مستقبله ودوره في العالم.
التباطؤ الاقتصادي والتحديات الداخلية
يشير الاقتصاديون إلى أن الاقتصاد الصيني يواجه “رياحًا معاكسة” كبيرة. أزمة قطاع العقارات، التي تمثل جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي، تلقي بظلالها على النمو. كما أن شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد يمثلان تحديًا ديموغرافيًا طويل الأمد. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال الإنفاق الاستهلاكي المحلي ضعيفًا، وهناك مخاوف بشأن ارتفاع ديون الحكومات المحلية. ومع ذلك، تواصل الحكومة الصينية دعم الاقتصاد من خلال الاستثمار في الصناعات عالية التقنية مثل السيارات الكهربائية والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، بهدف التحول من “مصنع العالم” إلى “مبتكر العالم”.
مبادرة الحزام والطريق (BRI)
لا تزال مبادرة الحزام والطريق، وهي استراتيجية تنمية بنية تحتية عالمية ضخمة، حجر الزاوية في السياسة الخارجية الصينية. ومع ذلك، تواجه المبادرة انتقادات متزايدة. تتهم بعض الدول الغربية الصين بممارسة “دبلوماسية فخ الديون”، حيث تُثقل كاهل الدول النامية بقروض لا يمكنها سدادها، مما يمنح الصين نفوذًا على أصولها الاستراتيجية. كما أن هناك مخاوف بشأن شفافية المشاريع وتأثيرها البيئي والاجتماعي. رداً على ذلك، بدأت الصين في التركيز على مشاريع “صغيرة وجميلة” تكون أكثر استدامة وأقل تكلفة.
العلاقات مع إفريقيا
تظل إفريقيا شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا للصين. تستمر الاستثمارات الصينية في البنية التحتية والموارد الطبيعية في القارة، لكن العلاقة تتطور. هناك وعي متزايد في إفريقيا بالحاجة إلى ضمان أن تكون الشراكة مع الصين مفيدة للطرفين، مع التركيز على نقل التكنولوجيا وخلق فرص عمل محلية. كما تتنافس الصين بشكل متزايد مع القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على النفوذ في إفريقيا.
التنافس مع الولايات المتحدة
وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. يتنافس البلدان على الهيمنة التكنولوجية والعسكرية والاقتصادية. فرضت الولايات المتحدة قيودًا على تصدير التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة أشباه الموصلات، إلى الصين، بينما ترد الصين بتعزيز قدراتها المحلية في هذه المجالات. لا يزال وضع تايوان نقطة اشتعال رئيسية، وتثير الأنشطة العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي قلق جيرانها والولايات المتحدة. على الرغم من التوترات، لا يزال البلدان مترابطين اقتصاديًا، وهناك جهود دبلوماسية مستمرة لإدارة المنافسة ومنعها من التحول إلى صراع مفتوح.
في الختام، تقف الصين عند مفترق طرق. لقد حققت نجاحًا اقتصاديًا غير مسبوق، لكنها تواجه الآن تحديات داخلية وخارجية كبيرة ستحدد مسارها في العقود القادمة. ستكون قدرتها على التغلب على هذه التحديات حاسمة ليس فقط لمستقبلها، بل لمستقبل النظام العالمي بأسره.